احمد محمد صبحي: في فلسفة التاريخ PDF - رفوف

الاثنين، 24 أكتوبر 2016

demo-image

احمد محمد صبحي: في فلسفة التاريخ PDF


Screenshot+2020-10-26+171429

إلى أين يسير العالم؟ سؤال ينصبُّ على المستقبل، والمستقبل ابن الحاضر، والحاضر لا يُفهم إلا من لحظات أخرى كانت حاضرة ثم انقضت، أى من الماضى. عبارة قالها هيجل: «كل تاريخ فلسفة، وكل فلسفة تاريخ»، ليست فلسفة التاريخ بالكلمة القديمة، إنها ترجع للقرن الثامن عشر وتُنسب لفولتير، غير أن الموضوع الذى تدل عليه أقدم من ذلك بكثير، فلسفة التاريخ هى «مجموعة من الآراء والأفكار التى تتأمل تاريخ الإنسان ككل، سره الخفى، سياقه، حركته، قوانينه، القوى التى تتحكم فى سيره، فهى فكر يتأمل الإنسان والعالم لا لأجل التأمل المطلق، بل لأن تاريخ الإنسان أو وجوده فى الزمان وتغيره وتطوره عنصر أساسى فى بناء كيانه»، وهى تنشأ غالباً فى عصور القلق والأزمات والاضطرابات، إنها تريد عندئذ أن تفهم الحاضر سواء اعترفت بذلك صراحة أو لم تعترف به. هكذا فعل هيجل وفلسفته، فى التاريخ أعمق الفلسفات وأغناها، لقد رأى عصره، عصر الثورة الفرنسية ونابليون، يمر بأزمة لم يسبق لها نظير، واستنتج من هذه الأزمة نتائج طبّقها على الماضى كله، فكانت فلسفته فى التاريخ فلسفة الأزمات، ويصدق هذا على كارل ماركس ويعقوب بورخارت. وكلاهما، على ما بينهما بالطبع من اختلاف، مفكر أزمات، كما يصدق أيضاً على القديس الأفريقى أوغسطين، لقد شعر أنه يحيا فى عصر مضطرب حافل بالأزمات الخطيرة، ومن هذا الشعور نشأ كتابه المعروف عن مدينة الله.

تحميل وقراءة اونلاين🕮

ويرى أزفالد شبنجلر أن تصوير التاريخ فى صورة شاملة تامة مغلقة لم يعد أمراً ممكناً ولا مفيداً، وأن محاولة الإنسان أن يحدد معنى التاريخ وهدفه ويتنبأ بمستقبله محاولة مقضى عليها بالفشل، ذلك لأنها تفوق طموحه وقدرته وطبيعته المحدودة الفانية، ولأنه أى الإنسان يحيا فى الزمن ويرتبط به، ولذلك فلا يمكنه أن يحدد معناه وهدفه من داخله، أى أن فلاسفة التاريخ قد وضعوا لغز الوجود والإنسان فى قلب الزمن، وأرادوا أن يلتمسوا التحقق التام أى الوحدة الكاملة بين الوجود والفكرة أو بين الواقع والواجب فى هذا الزمن المتحول نفسه، مع أن هذه الوحدة لا يمكن أن توجد على الأرض ولا فى الزمن. قد يستطيع الزمن أو التاريخ بأزماته وكوارثه، بانتصاراته وهزائمه، بأفراحه وآلامه، أن يكشف لنا عن معنى المطلق أو المتعالى أو الروح الكلى أو الفردوس الأخير أو ما شئنا من أسماء، ولكنه لن يستطيع أبداً أن يوجده فى الزمن، لن يستطيع أن يحققه على الأرض.

أدركت فلسفة التاريخ منذ عهد القديس أوغسطين إلى اليوم معنى الزمن، وعرفت أنه يكمن فى التحول والتغير والتجدد، وهذا كسب ضخم لن نفقده بعد اليوم، لا يمكن أن نرجع للوراء، لا يمكن أن نعود لتصور توكيديدس أو غيره من مؤرخى الإغريق والرومان، هؤلاء الذين اعتقدوا أن الخير كله فى العصور الذهبية الماضية، وأن الزمن لا يأتى بجديد، ولكن لا يمكن أيضاً بعد مسيرة خمسة عشر قرناً من أيام أوغسطين أن يظل الإنسان يبحث عن المطلق فى الزمن والتاريخ، مع أن المطلق نفسه أياً كان الاسم الذى نعطيه له، وسواء وضعناه فى عالم آخر أو قلبناه ووضعناه على الأرض، لا بد بحسب اسمه نفسه أن يظل خارج الزمن والتاريخ. كل ما يستطيع الزمن أن يفعله هو كما قلت أن يكشف عنه، يرينا لمحة منه، يشدنا إليه، أما تحقيقه فى التاريخ فهو المستحيل بعينه، وتحقيق هذا المستحيل فى ثوبه المقدس أو فى أثوابه الأرضية هو الذى جرّ الغرب ومعه بقية العالم إلى الأزمات المتوالية التى لاحظها فلاسفته ومؤرخوه، وجرّ البشرية اليوم إزاء التقدم المذهل فى العلم والتقنية وأسلحة الدمار، والتأخر المذهل أيضاً فى الضمير والأخلاق إلى الاختيار المحتوم الذى تنبأ به «كانت»: فإما الفناء المطلق الذى يتساوى فيه الغالب والمغلوب فى راحة القبر، وإما التعلم من دروس غاندى ومارتن لوثر كينج فى العصر الحديث، ومن تعاليم الحكماء والشعراء فى كل العصور بل ومن مجرد النظر إلى براءة الطفل والحيوان، واحترام الحياة فى كل مظاهرها الطبيعية المحيطة بنا وإن كنا لا نراها كالعمياء أى بالتخلى عن القوة والعنف، وترويض الغرائز المظلمة العمياء، ومحاولة العيش فى سلام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

???????

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *