إذا كان العلم يتميز بالتخصص فإن موضوع الفلسفة يمكن أن نقول هو “كل شيء ” فتساؤلاتها النقدية تمتد لتشمل كل ما وصلت إليه الخبرة الإنسانية وما كشفت عنه من معارف على مختلف مستوياتها وفي كل المجالات ، وهذا ما يفسر تعدد اهتمامات الفلاسفة قديما .
فالفيلسوف كان طبيبا وصيدلي وعالم فلك وكيميائي ورجل سياسة وفقيه ، فلا غرابة إذن أن يطلق عليها أم العلوم . هذا الكل الذي تدرسه الفلسفة ظهرت محاولات تريد وضعه في مجموعات من التخصصات أهمها الانتروبولوجيا والأخلاق والجماليات والميتافيزيقا والمنطق ونظرية المعرفة وفلسفة اللغة وفلسفة التاريخ وفلسفة الطبيعة والقانون والفلسفة الاجتماعية والسياسية . لكن يمكن اختزال هذه العناصر إلى ثلاثة مباحث كبرى تشكل المعرفة الإنسانية كلها وهي مبحث الوجود ومبحث المعرفة ومبحث القيم.
1ـ مبحث الوجود ONTOLOGIE
كلمة الوجود تطلق على كل ما هو موجود في العالم سواء أدركته الحواس أم لم تدركه وتقابله الماهية والعدم .وكمبحث فهو النظر في الوجود من حيث هو وجود بقطع النظر عن صوره الجزئية التي يتجلى فيها وهو بهذا المعنى يكون مرادف للميتافزيقا التي تعني العلم بالحقائق الثابتة في الأشياء في مقابل مظاهرها المتغيرة والتي تتكفل بدراستها العلوم المتخصصة . إذن الفلسفة تبحث في الوجود بشكل عام بما في ذلك مبحث الإلهيات والنفس والروح . والأسئلة الكبرى لهذا المبحث هي :
1 ـ ماهي طبيعة الوجود ؟
2 ـ ماهو مصدره؟
3 ـ ماهو مصير ؟
2 ـ مبحث المعرفة EPISTEMOLOGIE
هو مبحث يركز على المعرفة كمعرفة أي على أدواتها ومنهجها ومدى صدقها ، فهو مبحث ينقد المعرفة وذلك طلبا لليقين وتجنبا للأحكام المسبقة . وكما هو الأمر مع مبحث الوجود فان مبحث المعرفة أيضا لا يهتم بالجزئيات ، بل يطرح أسئلة كبرى فيتساءل عن إمكانية المعرفة ، أم أنها مستحيلة ، كما ذهب إليه السفسطائيين . وإذا كانت ممكنة
1 ـ فماهو الطريق الموصل لها ؟
3 ـ هل للمعرفة البشرية حدود تقف عندها أم لا حدود لها ؟
4 ـ هل صدقها نسبي أم مطلق ؟
3 ـ مبحث القيمAXIOLOGIE
هو مبحث لا يهتم بما هو موجود ، بل يبحث فيما ينبغي أن تكون عليه الأخلاق والأساس الذي تنبني عليه ، ويبحث في طريقة التمييز بين الحق والباطل , ويبحث في مقاييس الفصل بين الجميل والقبيح . وهذه القيم ، الخير ، الشر ، الحق ، الباطل ، الجمال ، القبح ، هي قيم مطلقة ، والبحث فيها يعني تحديد الصورة المثالية التي ينبغي أن تكون عليها هذه القيم .
منهج الفلسفة:
المنهج هو الخطة المتبعة للوصول إلى نتيجة معينة ، او هو الترتيب الذي يتقيد به سير العمل للوصول إلى نتيجة معينة . فالعلوم التجريبية مثلا يقوم منهجها على الملاحظة والفرضية والتجربة ، وهو منهج اثبت فعاليته في هذا المجال ، لكنه لا ينفي بالغرض في المواضيع الفلسفية ، ولهذا وجب وضع نهج يتلاءم مع هذه المواضيع . فما هي خطوات هذا المنهج ؟
1 ـ طرح الإشكالية la problématique
يتميز الفلاسفة عن غيرهم بالحس الإشكالي فينتبهون إلى قضايا يغفل عنها غيرهم فهم اشد الناس بعدا عن الوثوقية والاعتقاد النهائي ويتمتعون بالروح النقدي الذي يمكنهم من تجاوز الحقائق السائدة عن الكون والإنسان ويمكنهم من طرح قضايا جديدة لم تكن معروفة عند سابقيهم. فكلما اطمأن العلماء إلى إجابات معينة كان الفيلسوف بالمرصاد فيحولها إلى أسئلة .
وتعتبر الأسئلة في الفلسفة أهم من الأجوبة وهذا ما اكده هانز رايشنباخ (1891 ـ 1953 ) Hans Reichenbach بقوله : ” … من الواجب عند قراءتنا للعرض الذي يقدمه الفلاسفة لمذاهبهم أن نركز انتباهنا في الأسئلة لا في الإجابات المقدمة . ”
لكن قبل صياغة الإشكالية لا بد من ضبط التصورات ، فيحدد الكلمات والمفاهيم التي يستخدمها . فكلمة الواقع مثلا قد تؤخذ بمعنى الواقع الحسي أو الواقع الذهني فان لم تضبط ينجر عنها الغموض وتؤدي إلى التناقض . ولهذا عليه أن يعمل على أن تكون مفاهيمه واضحة .
2 ـ تحديد الموقف
بعد صياغة المشكلة على الفيلسوف أن يفصح عن موقفه منها بكل وضوح ويكون مقتنع به ويدافع عنه بكل ما أتي من معرفة . وموقفه هذا لا يعبر عن حل نهائي للمشكلة ، وانما هو حل قابل للنقاش ويمكن ان تظهر مواقف مناقضة له . وهذا آمر مألوف لدى الفلاسفة ، لأن الفلسفة ذات طبيعة خلافية ، فتقوم على تعدد المواقف بسبب تعدد المذاهب .
ومنه على المهتم بالفلسفة إذا أراد تقيم موقف احد الفلاسفة أن يدخل هذا في الاعتبار ، فلا يحاكم موقف فيلسوف عقلي على ضوء الذهب التجريبي ، وعليه أيضا مراعاة العصر الذي ظهر فيه هذا الموقف ، واهم من هذا عليه أن يركز على الأدلة التي اعتمد عليها الفيلسوف في عرض موقفه ، فقوته مستمدة من قوة الحجج والبراهين .
3 ـ إقامة الحجة
بعد صياغة الإشكال والركون إلى موقف منه يكون الفيلسوف في حاجة إلى ما يؤكد ما ذهب إليه ، ويجعله مقبولا ، ونعني به الأدلة . والدليل هو ما يلزم من العلم به العلم بشيء آخر . والأدلة أنواع ، منها الأدلة العقلية ، ومنها الأدلة النقلية ، وبعضها تجريبية والأخرى تاريخية .. الخ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق