جمال البنا: نظرية العدل في الفكر الاوربي و الاسلامي PDF - رفوف

اخر المواضيع

الخميس، 11 أغسطس 2016

جمال البنا: نظرية العدل في الفكر الاوربي و الاسلامي PDF



باستثناء محاولة أفلاطون ـ إقامة جمهورية على أساس العدل ـ  منذ ألفين وخمسمائة عام وفكرة المعتزلة عن العدل منذ ألف وأربعمائة عام لا يجد المفكر جمال البنا  في الفكر الأوروبي أو الإسلامي الحديث والقديم معالجة أصولية لنظريّة العدل سوى إشارات متكرّرة  تعتبره فضيلة بين الفضائل أو كأساس من أسس المجتمع


ويستعرض في كتابه العدل في الفكرالأوربي والإسلامي الصادر في...ما جاء في جمهورية أفلاطون معتبرا إياه  أشمل وأقدم معالجة للعدل في الفكر الأوروبي ولا يعني ذلك أن ليس ثمة إشارات إلى العدل فيما كتبه أساتذة وفلاسفة أثينا خاصة الشعراء، مما حدا ببعض الكتاب ليقول «الشعراء فقهاء في أثينا»  ويتم التطرق  الى دور الشاعر «هسيود» الذي هاجم الطغاة والمرتشين وطالب بالعدل كأساس للحكم، ويوربيدس النصير الأول للمرأة..

ويشير البناء الى أن الشعراء والفنانين كوّنوا الوجدان الأثيني. غير أنهم – في النهاية – لم يكونوا الحكام – فأثينا – كبعض المدن اليونانية التي كانت كل مدينة منها تعتبر نفسها دولة، كان الحكم فيها في يد الأشراف والملاك الذين يملكون الثروة والقوة والجاه ويسمحون بجزء ضئيل من المشاركة بينما يحرم العبيد والنساء في معظم الحالات. والتاريخ السياسي الإغريقي بأسره إنما هو سجل لثورات هؤلاء المحرومين عندما يستشري فساد السادة. ولا يعدم الجمهور شخصاً بارزاً يتبنى دعوتهم ويكسب مناصرتهم ليصبح – فيما بعد – «طاغية» من الطغاة الذين حكموا المدن اليونانية فترات طوال، وفي معظم الحالات كان حكمهم أفضل من سابقه ولكن سرعان ما يتطرق إليه الفساد لينتهز الأشراف والملاك الفرصة ويعودوا إلى الحكم وهلم جرا…


 العدل في الفكر الروماني

إذا أردنا أن نقرأ العدالة «بحروف كبيرة» كما كان يقول أفلاطون، فعلينا أن ندرس التاريخ الروماني ولا سيما في فترة التشكل من القرن الثاني قبل الميلاد إلى القرن الثالث بعده. ففي هذه الفترة تبلورت الروح الرومانية وامتدت إمبراطوريتها. فهي من هذه الناحية أفضل من اليونان التي لم تكن سوى «مدن» زاحمتها في الظهور أو أثرت عليها الحضارات المصرية والآشورية والفارسية.

ولكي تتضح صورة  روما  يذكر المؤلف أنها من النشأة حتى الإمبراطورية كانت تضمّ:

أولاً:  مدينة روما وأرباضها التي أُسِّسَت في القرن الخامس قبل الميلاد

ثانياً:  مجموعة المدن والولايات الملاصقة لروما في المنطقة الرومانية.

ثالثاً: مجموعة الدول التي فتحتها روما في القارة الأوروبية وبوجه خاص فرنسا وألمانيا وبريطانيا.

رابعا: الدول التي فتحها الرومان في آسيا وأفريقيا.

وفي المجموعة الأولى وجدت الأرستقراطية الرومانية التي كانت تستأثر بحقوق المواطنة والجنسية وممارسة الحقوق السياسية والتجارية.

ولكن هذا لم يكن ينطبق على كل من يعيش على أرض روما. إذ كانت تعج بالرقيق المجردين من الحقوق والنساء المحرومات من ممارسة الحقوق السياسية والتجارية...  أما بقية الشعوب التي هاجرت إلى روما فهؤلاء جميعاً لم يكن لهم شئ من حق الرومان الأصليين بل إن القانون الروماني كان يحرم الأجانب الذين لا تربطهم بروما معاهدة من أي حقوق ويبيح لأي قادم أن يستحوذ عليهم كما يتملك شيئاً لا صاحب له.

وقد جاوز التمييز بين ما هو روماني – وما هو غير روماني، الإنسان إلى الحيوان. فلم يعتبر الجمل والفيل من حيوان الزراعة الرومانية لأنها لم تعش على أرض روما وبالتالي لا تدخل في الملكية الزراعية. وإنما تدخل في عداد الوحوش! وكان قانون الفتح الروماني يعطي الغالب حق الحياة والموت على المغلوبين ويحل لهم مدنهم وأموالهم وأنفسهم.

ولا يحل للمغلوب أن يمتلك شيئاً أو أن يصاهر الغالب ولا أن يساهم في سياسة المدينة ولا أن يسمو إلى درجة من درجات الشرف. ويعيش المغلوب بمعزل عن القانون سوى العرف البشري من معاملة الإنسان للإنسان وهيهات أن تحميه قوة من النظام إلا من استجار بالغالب ودخل في ولايته فيحميه قانون الغالبين.

الى هذه الفترة ـ والكلام للمؤلف ـ يعود طابع الاستعلاء الروماني الذي لا يعرف الرحمة. ويجد مثله الأعلى في صيحة فيرجيل «لا تنس أيها الروماني أنك خلقت ملكاً!» كما نجد التطبيق العملي لها في «كاتو» الذي لم يفتأ ينادي «لابد من تدمير قرطاجنة» حتى دمروها... ولم يكن ليأنف أن يبيع عبيده عندما يعجزون بحكم الشيخوخة عن أداء ما يكلفهم به من أعمال.. في هذا المجتمع لم يكن هناك عدالة. كان هناك قوة وسلطة كان هناك صلابة وصرامة.

ويرى البنا أن ما حدث في المجتمع الأوربي المعاصر هو نقيض ما حدث في المجتمع الإسلامي. فلا تملك أوروبا نظرية للعدالة ولا يمثل العدل قيمة حاكمة في حضارتها، ولا نجد في كتبها كلها عشر معشار ما نجده عن العدل في القرآن. والقيمة التي آمنت بها أوروبا ومارستها هي الحرية وهذه الحرية هي التي مكنت الملوك من حكم الجماهير والبابوات من التلاعب في روح المسيحية، ولكن البنا يعتبر أن الحرية – هي التي مكنت العمال من تكوين النقابات والكتاب من الدعوة الإنسانية وهي التي مكنت الفئات التي وقع عليها ظلم الحكام والأثرياء من العمل والتكتل لنيل العدالة في النهاية.

العدل في حياة المسلمين

وبالنسبة للعصر الإسلامي يؤكد المؤلف أن الأربعين عاما التي تمثل حكم الرسول والخلافة الراشدة هي العصر الذهبي لقيمة العدل والعدالة وبعدها شهد المجتمع الإسلامي تدهوراً خطيراً للعدل، وإهمالا له من مجالات الحياة. ففي المجال السياسي انتفت الشورى والبيعة أو أصبحتا شكليتين، وفي المجال الاقتصادي أهمل جباية الزكاة وصرفها إلى مستحقيها وأستأثر الحكام بالمال، وأثقلوا الناس بالضرائب والمكوس والمصادرات وأكل الأموال بالباطل، وفي الناحية الاجتماعية انحطت المرأة وفقدت حريتها وما أعطاها الإسلام من حقوق وعادت الحمية الجاهلية القديمة التي ندد بها الإسلام وحذر منها، وسادت الأمية والخرافة وتخلفت الزراعة والصناعة وانحطت مستويات الحياة.

والمفارقة المأساوية التي تحز في نفس المؤلف ـ هي: كيف يمكن لأمة لديها هذا التأصيل المحكم للعدالة والتركيز عليها في كتبها المقدسة ثم يكاد العدل أن ينتفي منها ويسود الظلم والجور..

ويتساءل: كيف حدث أن حقّقت أوروبا العدالة دون أن يكون العدل في قِيَمِها الحضارية الحاكمة وأهملت المجتمعات الإسلاميّة العدل، وهو روح الإسلام؟؟

ثم يؤكد أن  تطبيق أوروبا للعدل لم يكن انبثاقاً عن العدل كقيمة - أو استلهاماً له - ولكن ثمرة لكفاح الفئات المظلومة كفاحاً مريراً وطويلاً.. ويرى أن هذا هو ما يتّفق مع الطبيعة الديناميكية العملية للمجتمع الأوروبي فكانت «القوّة» هي الطريقة والوسيلة للعدل..

وبخصوص تراجع مظاهر العدل في جغرافيا الدولة الإسلامية يخلص البناء للقول:  إن المجتمعات التي تُنْسِب نفسها إلى الإسلام ليست إسلاميّة حقّاً وجوهراً وإن تكوّنت من أفراد مسلمين يشهدون أن لا إله إلاّ الله وأن محمّداً رسول الله. لأن المجتمع من وجهة نظره لا يقوم على الأصول الإسلاميّة وأولها الحرّية في الفكر والعدل في العمل تطبيقاً لمئات الآيات القرآنية، في حين تطبق هذين الأصلين المجتمعات الأوروبية. وبالتالي فهي أقرب إلى الإسلام، وعليه فإن الإسلام - كنظام - قد يكون مطبّقاً في دولة ترفع راية الصليب أكثر مما هو مطبّق في دولة ترفع راية الهلال..


***

وحول التنظير الفلسفي للعدل في الإسلام يشير المؤلف الى المعتزلة كأصحاب السبق في هذا المضمار غير أنه يرى أنهم حلّقوا بها في السموات وابتعدوا بها عن الأرض أي أنهم لم يعالجوها من مضمون المجتمع الإنساني ونُظُم حكمه لأن الإسلام، وبوجه خاص القرآن الكريم يتضمّن المبادئ التي يمكن للفكر الأصيل أن يستخلص منها نظريّته.

وحول ارتباط العدل بالقرآن كالكريم يقول البنا: العدل هو الحقّ مطبّقاً كما أن الحقّ هو العدل مجرّداً. والارتباط بينهما في الآيات القرآنية وثيق. وهناك ارتباط بينهما وبين الله تعالى متأت من أن العدل والحقّ إسمان من أسماء الله تعالى، وأن الله أنزل الكتب وأرسل الرسل بالحقّ وأقام السموات والأرض بالحقّ. ولا بدّ أن يتمخّض هذا الربط ما بين العدل والحقّ من ناحية، وما بينهما والله تعالى عن وجود حقيقي للعدل، لآنه أساس الرسالات النبوية والعدل في الإسلام ليس كما يعتقدون سراباً إنه حقّ بقدر ما أن الله تعالى حقّ...

منزلة العدل في الإسلام

يتبوأ العدل منزلة فريدة  في الإسلام لا نجدها في الأديان الأخرى لعدة أمور يوردها المؤلف:

• الإسلام يعالج كل نواحي الحياة أي أن له طبيعة « تعدّدية » على نقيض ما يتصور البعض فالإسلام يتحدث عن الزكاة كما يتحدث عن الصلاة وعن الذين يعملون الصالحات بقدر ما يتحدث عن الذين آمنوا وهو يفرض الحج ويحرم الربا والميسر وشرب الخمر ويضع قواعد معينة في الزواج والميراث والحرب والسلام، إنه يعالج كل هذه الجوانب للحياة. وفي مثل هذه الطبيعة التعددية يكون العدل هو فضيلة الفضائل. هو « المايسترو » الذي يضبط إيقاع كل الفصائل الأخرى.

والعدل هو الفضيلة المميزة للإسلام، والتي ترمز له عندما يرمز التوحيد لليهودية (الإله الواحد والشعب الواحد) والحب للمسيحية.

ومن يراجع إشارات القرآن إلى العدل يلحظ أنه يقرنها بالظرف «بين» والإسلام يرى أن حكم الناس [وليس الحكم بين الناس] هو الذي أدّى إلى ظهور الملوك والطغاة الذين استبدوا بأمر الشعوب والجماهير، والقانون هو الذي يحوِّل الحكم من سلطة وسيادة إلى قضاء وعدالة، ويلزم الحكام ضوابطه فيكبح جماحهم ويلزمهم الجادة، وهذا هو الجانب التحرّري «للإسلام السياسي» – إذا جاز التعبير – الذي غفل عنه أنصار وأعداء هذا الاتجاه على حد سواء. أنصاره لأنهم لم يفطنوا إلى جوهره وقنعوا بالقول أن عبودية الله تحرر عبودية البشر. وأعداؤه لأنهم تصوروا الحكم الإسلامي حكماً إلهيا تحتكره مؤسسة كالكنيسة في أوروبا.

• أعظم الدلالات على أهمية العدل تركيز الإسلام على «الدار الآخرة» وإقامة محورها في الحساب والعقاب على «ما كنتم تعملون» وشمول هذه الدار أو إن شئت المحكمة على الثواب جنباً إلى جنب مع العقاب. وهو ما تنفرد به لأن محاكم الحياة الدنيا عادة ما تقتصر على العقاب دون الثواب.

وإشارات القرآن الكريم إلى الدار الآخرة متعددة ومركزة وشاملة بصورة لا تغادر «مثقال ذرة» بتعبير القرآن أو «الشاة الجماء التي نطحتها الشاة القرناء» كما جاء في الحديث، سواء كان ذلك حقيقة أو رمزاً.

والدار الآخرة هي أكبر مقوّم للأديان لأن الإيمان بالله هو مما يؤمن به الكافة – تقريباً – وقد آمن به المشركون «ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله» كما أنهم لم يعبدوا الأوثان إلا «ليقربوهم إلى الله زلفى». فالفيصل في الأديان هو الدار الآخرة.

والمحور في الدار الآخرة كلها هو إتاحة الفرصة لإثابة المحسن الذي يغلب أن تكون قد فاتته في الحياة الدنيا، ومعاقبة المسيء الذي يحدث أن يفلت من المساءلة في الدنيا أيضاً فجوهرها تحقيق الكمال للعدل..

وهذه النقطة من العمق بحيث تجعلنا نتساءل هل الإسلام هو الذي أوجد العدل أو أن العدل هو الذي أوجد الإسلام أو أنه لا وجه لهذا التساؤل لأن الإسلام والعدل شيء واحد والذي أوجدهما هو الله تعالى.

 إشارات القرآن الكريم إلى العدل

لا يتسع المجال لإيراد كل الشواهد عن العدل في القرآن الكريم كما يقول المؤلف لأنها قرابة 300 آية، تعرضه بعضها كوسيلة للفصل (أو القضاء) بين الناس:  (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون)  (المائدة 8)

فهذه الآية – أو قل الجوهرة الثمينة  كما يصفها البنا– والتي تتلألأ في سماء التشريع والتوجيه تقتضي من المؤمنين أن يكونوا: قوامين لله - شهداء بالقسط  وأن لا يجرمنهم شنآن قوم على ألا يعدلوا، لأن العدل أقرب للتقوى - (إن الله خبير بما تعلمون).

ولم يكن عبثاً أن ترد كلمة العدل أكثر من مرة في سورة النساء: (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا) (النساء 3).

هذه الآية التي استحل بها المسلمون الزواج مثنى وثلاث ورباع بدأت باستهداف العدل ثم ضبطت في النهاية بواحدة «فإن خفتم ألا تعدلوا» أي أن الشرط هنا هو مجرد خوف الظلم وليس إيقاع الظلم بالفعل، مما يفترض وجود إحساس عميق بالعدل وقداسته..

وتمضي الآيات: (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيماً) (النساء 129). هنا تحكم الآية (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم).

ويميل البنا الى الاعتقاد أن هذا الحكم يمكن أن يكون أساساً لعدم التزوج بأكثر من واحدة إلا على سبيل الاستثناء.

وجاءت بعد هذه الآية (129) الآية (130) (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلوا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً)

وهذه الآية توجوب الشهادة بالعدل ولو على الإنسان نفسه. ووجوب الشهادة بالعدل على «الوالدين والأقربين» وتحذر من أن يدفع الهوى للانصراف عن العدل…

وقبل الآية 135 من سورة «النساء» جاءت الآية 58: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله يعظكم به إن الله كان سميعاً بصيراً)

ويستخدم القرآن مرادفات «العدل» «كالقسط» كما يلجأ إلى تصوير عملية العدل بالميزان الذي لا يفلت مثقال حبة والكيل الذي يجب أن يستوفى ويبتعد عن التطفيف.

(وإن حكمت بينهم فأحكم بينهم بالقسط. إن الله يحب المقسطين) (المائدة 42) (وأوفوا الكيل والميزان بالقسط) (الأنعام 52 (ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط) (هود 85) (وأقيموا الوزن بالقسط. ولا تخسروا الميزان) (الرحمن 9) (وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم) (الشعراء 182) (فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم) (الأعراف 85) (والسماء رفعها ووضع الميزان ألا تطغوا في الميزان) (الرحمن 8)  (ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم) (المطففين 1-5) (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره..) (الزلزلة 7-8)  وثمة آية تشخص لها الأبصار وتقشعر الجلود: (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم) (آل عمران 18) فالقرآن الكريم يصوّر الله تعالى «قائماً بالقسط».. ما من تقدير للعدل والقسط يمكن أن يسامي هذا.

وفي العصور الأولى عندما كان إثبات الحقوق يعتمد بصفة رئيسية على «الشهادة» عُنِى القرآن بتحصين هذه الوسيلة لتحقيق العدل وإحاطتها بالضمانات. كما احتاط كي لا تستغل فأوجب أربعة شهود في قضايا الزنا وأوجب شاهدين عدلين فيما دون ذلك.. (فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل احداهما فتذكر إحداهما الأخرى) (البقرة 282)

يضيف المؤلف أن القرآن لا يكتفي بقرابة 300 آية تحض على العدل ففي 300 آية أخرى يندد بالظلم ويحذر منه ويقرنه بالشرك وليس في دين يقوم على توحيد الله ما هو أسوأ وأشنع من الشرك. وهو في تنديده بالظلم يفعل كما فعل في حثه على العدل. أي أنه يورد مترادفات الظلم من عدوان أو اعتداء أو طغيان حتى يأتي توجيهه شاملاً.

كما أن القرآن لا يحدد مجالاً واحداً أو معيناً للظلم. فيمكن أن يكون في مجال الاقتصاد أوالسياسة أو غيرها وتوضح معظم الآيات أن الظلم من أكبر ما يؤدي إلى خراب المجتمع في الحياة الدنيا وإلى العذاب في الحياة الآخرة. والقرآن يطلع القارئ على مصارع الظلمة وآثار ديارهم. (فقطع دابر الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين) (الأنعام 45) (وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا) (الكهف 59) (وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوماً آخرين) (الأنبياء 11)

ويعتبر القرآن الطغيان من أسوأ مستويات الظلم ويقترن عادة بكبار الحكام الذين يستبدون بالأمر. والمثل المتكرر له في القرآن هو فرعون. ولكنه يرد أيضا بصدد كل الذين يطغون في أحكامهم كباراً أو صغاراً. «إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة»  (وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب إن ربك لبالمرصاد) (الفجر 10-14).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق