إن هيمنة الحضارة الغربية و تفوق معاييرها، في مقابل تراجع الحضارة الإسلامية، أدى لسخط و شعور بالدونية و تحقير لنتاج حضارتنا الإسلامية من قبل أبنائها، والزهد في محاولة الاستفادة منه و البناء عليه بعيدا عن المعايير الغربية التي فرضت هيمنتها على الفكر الإنساني، و بعيدا عن التقوقع و الجمود الذي فرضته عقود طويلة من التخلف.
و هذا الكتاب و هو الجزء الأول من نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام لـ علي سامي النشار من كتب خمسينيات القرن الماضي، هو من بدايات الكتب التي كسرت ذلك القالب الذي حشرنا فيه الغرب، و نفض الغبار عن ذلك الإرث الذي أهمله بنوه.
[button color="blue" size="small" link="http://corneey.com/wwZBzC" icon="fa fa-file-pdf-o fa-2x" target="true" nofollow="false"]تحميل[/button] [button color="blue" size="small" link="http://corneey.com/wwZBRd" icon="fa fa-file-pdf-o fa-2x" target="true" nofollow="false"]تحميل[/button] [button color="red" size="small" link="http://corneey.com/wwZBJM" icon="fa fa-book fa-2x" target="true" nofollow="false"]قراءة أونلاين[/button]
و إليكم التفصيل: ه
– الكتاب يتصدى للحديث عن بدايات نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، و لكنه و على عكس ما تتوقعه لا يقصد ابن رشد و ابن سينا و الفارابي و هذه المجموعة المعروفة، فهؤلاء كما يرى أنهم ليسوا أكثر من مقلدين و تابعين لفلسفة اليونان و لا يمكن اعتبارهم مبدعين لشيء جديد و لا انعكاسا لخلاصة الفكر الإسلامي. بل على العكس إن سبب شهرتهم هم المستشرقون، فبالنسبة للمستشرقين الذين ينطلقون من حضارتهم الغربية و يرون أن الكوني مرادف للغربي، فإن كل ما اقترب من حضارتهم يعتد به و كل ما ابتعد عنها و خرج فلا أهمية له و متخلف… ه
و لكن دراسة مناهج الحضارات الإنسانية لا ينظر إليها هكذا. فالغربي هو جزء من الكوني و ليس مرادفا له. و هذا يجعلنا نفهم لماذا انتشرت مقولات ترفع ابن رشد في مقابل الانتقاص من الغزالي الذي تصدى لفلسفة اليونان و وسم بسبب هذا بأنه سبب التخلف و منع التفكير! لأن من يقولون هذا يفهمون كلمة التفكير بمعنى محصور فقط وفق فلسفة اليونان أو منطلقا منها. ه
– النشار في المقدمة ذكر لنا أن الحضارة هي المنهج، و ما يميز حضارة عن أخرى هي مناهجها، (و المنهج هو طريق البحث عن الحقيقة في أي علم من العلوم أو في أي نطاق من نطاقات المعرفة الإنسانية)، و الفلسفة الإسلامية و التي تعبر عن روحها حقيقة هي التي تنطلق من الكتاب و السنة، كما قال مرة محمد محمد يونس علي في كتابه (علم التخاطب الإسلامي) (إن أفضل ما توصف به الحضارة الإسلامية أنها حضارة نص)، و قد تجلى أكثر ما تجلى عند المسلمين في علم الكلام (و هو علم الحجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية)، و علم أصول الفقه (و هو القواعد التي نتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية) و هي تقابل منهج الفيلسوف و منطقه، و علم الاجتماع و فلسفة السياسة و فلسفة التاريخ و مناهج التثبت من الرواية بالجرح والتعديل، و في فلسفة النحو التي تأثرت بأصول الفقه ونبعت من بنية اللغة نفسها. و هذا يحيلني للنقطة التي تليها.ه
– الكتاب برمته يدور حول أمرين رئيسيين، الأول تبيان الفروق الدقيقة من الناحية العقدية بين نتاج متكلمي المسلمين و الفرق الإسلامية على اختلاف تياراتهم من جهة و بين فلاسفة اليونان و اليهودية و المسيحية و العقائد المشرقية الغنوصية و الثنوية من جهة أخرى. و الأمر الثاني هو إثباته أصالة نشوء الفلسفة الإسلامية، بمعنى أنها لم تتأثر بمؤثرات خارجية، و إنما نشأت من متطلبات إسلامية داخلية صرفة.ه
– بالنسبة للفروق فإن الكتاب يدخل في تفاصيل التفاصيل و إسهاب لدقائق النظريات و بأسلوب واضح و مفهوم رغم صعوبته بحيث كنت أشعر بأن دماغي داخ لكثرة التفكير… و مع ذلك كانت قدرته على الشرح رهيبة…. لكن هذه العناية بالتفاصيل لم تكن على سوية واحدة، فقد رجحت كفة فلاسفة اليونان على اختلاف أسمائهم و نظرياتهم و كيف نقلها علماء المسلمين، و أيضا رجحت كفة المعتزلة على اختلاف علمائهم و الفروق بينهم، على كفة كل التيارات أخرى… و بالتالي فإن الكتاب لا يشمل كل ما وعدنا به للأسف…ه
– أما بالنسبة للأمر الثاني و هو محاولته إثبات أصالة النشأة، فإن للمؤلف جهد طيب في هذا الأمر، و لكني أجده قد غالى في محاولة الإثبات حد التطرف، و الهوس في نفي أي تأثير للفلسفات اليونانية، حتى في بعض المواضع التي تبدو واضحة! بحيث أنه ذكرني بالمستشرقين المهووسين بدحض أي ملمح و لو كان صغيرا لتأثير الحضارة الإسلامية على الحضارة الغربية و أنها فقط وليدة المعجزة اليونانية كما يسمونها. و لا أدري لماذا كل هذا الهوس في النفي من قبل هؤلاء الباحثين، أليس من الطبيعي أن تتأثر الحضارات البشرية ببعضها البعض! أقول ربما هي ردة فعل منه موازية في عنفها للهجمة الشرسة على الحضارة الإسلامية… و هذا يقودني للنقطة التالية. ه
– في هذه المحاولة منه، يكمن ما لم يعجبني في الكتاب. فالمؤلف صاحب هوى! و معنى أنه صاحب هوى أي يميل كل الميل و لا ينصف تجاه من لا يحبهم، حتى أنه لا يتورع عن شتمهم و كأن لديه تارا شخصيا معهم! في مقابل عذره لمن يحبهم حتى لو صدر عنهم ما يخالف ما يعتقده هو… فهو لديه نظرية مسبقة و يحاول إنزالها و تلفيق الأحداث على وفقها حتى تظهر النتيجة المعدة سابقا، مما جعله وقع في كثير من الأخطاء… فضلا عن أن تعصبه هذا لمحاولة إثبات الأصالة رافقه كره شديد و غريب لبني أمية، _مع أن مؤلفه سني أشعري_ جعله يربط بين الأحداث بطريقة مهلهلة و يخرج باستنتاجات عجيبة و غير مقنعة أشبه بالأفلام الهندية على حد تعبير أحد القراء. ه
و هذا ما جعله يطلق أحكاما مجحفة و مستفزة على بعض الصحابة و التابعين، حد اتهامهم في دينهم و شيطنتهم، معتمدا أحيانا على روايات مكذوبة و أحيانا ليس من روايات سوى كرهه الشديد. فأبو سفيان الغنوصي العنيف مع معاوية الكريه قد عملوا على نفث سمومهم تجاه الإسلام للقضاء عليه، و كعب الأحبار مدع للعلم و مثير الفتن و أظهر الإسلام ليعمل على تقويضه، و الأوزاعي صار عميلا وضيعا باع دينه و دنياه لبني أمية، حتى عمر بن عبد العزيز اعتبره من أدعياء العدالة و ممثلا بارعا… فعدله لم يشفع له إقحام نفسه في نيته، و إيجاد تهمة له، فصار ممثلا! ه
و لماذا كل هذا؟ لإثبات نظريته في نشوء الفرق من متطلبات داخلية بالترتيب الذي يريد أن يراه هو! فقمع بني أمية و نشرهم للجبرية كما يزعم هو ما أدى لنشوء الفرق المضادة من قدرية و ما سواها. و فلان قد يكون معاصرا لفلان فيحكم بأنه لا بد تأثر منه، بينما فلان آخر ربما عاصره لكنه يحكم بأنه ليس من دليل على تأثره به! هذه الأحكام الطائشة التي تقتحم النوايا يقابلها تفهم كبير و التماس أعذار لأصحاب فرق أخرى لبعض من نطقوا بالكفريات، من قبيل أنهم لم يدركوا إلى أين تودي مقولاتهم أو أنهم لم يقصدوها أو أنهم معذورون لأنهم أرادوا مضادة بني أمية فأخطأوا النجعة… بل الأغرب هو التماس بعض من كانوا على وفاق مع بني أمية الذين أثاروا حفيظته مثل الحسن البصري من قبيل أن معذور فهو لم يرد أن يقضوا على دعوته. يعني كما يقال “خيار و فقوس”.ه
الكلام عن الصحابة و التابعين بهذه الطريقة و من دون دليل أو حتى فائدة كان من الممكن أن يجعلني أعامله بنفس أسلوبه و أقول كتاب فاشل و مليء بالهراء و التلفيقات، و لكن إنصافا للحق، الكتاب فعلا ممتاز في جانب كبير منه، و أيضا أخفق في جانب آخر… و هذا يقودني للفكرة التالية.ه
– ما أكرهه في هذا النوع من منهج الشيطنة و الاتهام بالنفاق لبعض الصحابة و التابعين بسبب أفعال لهم أدت فيما بعد لفتن ونتائج سيئة، بالإضافة لقلة الأدب مع صحابة رسول الله، أنه من شأنه أن يحرمنا الاستفادة من التعلم من الأخطاء و عدم تكرارها… و كأن المرء سيعصم من الوقوع بكل هذا فيما لو أنه كان مثلنا نحن الذين نرى أنفسنا لسنا بمنافقين… مع أن الواقع الحالي يخبرنا أن كم من فعل مخلص أدى لنتائج كارثية، ما كان المرء يدرك أنه ستؤول إلى ما تؤول إليه. فكم هو سهل الحكم على الفتنة بعد مرور كل هذه القرون و ما كان هو التصرف الأمثل لاتخاذه… لكن التجربة و الواقع يخبرنا، أنا ما كنا لنعرف ماذا سنتصرف لو وقعنا فيها، فحين تكون في قلب المعمعة من الصعب أن ترى بنفس الوضوح، و إلا لكنا وجدنا طريقة لحل ما نحن غارقين فيه من تشرذم و صراع مما يجعل أكثر العاقلين و المخلصين حائرا مُسقط في يده لا يدري كيف يتصرف… هذا يقودني للفكرة التالية…ه
– الحقيقة أن منهج (و عين الرضى عن كل ذنب كليلة … و لكن عين السخط تبدي المساويا) الذي اتبعه، قد أفادني، حيث جعلني متشككة و منتبهة لكل ما يقوله لا أكتفي بمقولاته، فكل ما ذكر شخصا مع أفكاره، أخذت أبحث في الشبكة عما يقول آخرون عنه… مما زاد حصيلتي المعرفية… اللهم إلا المعتزلة فلم أبحث كثيرا مكتفية بما قال… ه
– هذا العرض المتتابع للفرق جعلني أنتبه لمشكلة عويصة في الأفكار… و هي لزوم منهج المرء و ما يستتبعه كلامه… بمعنى أنه يكون لدى العالم نظرية معينة أو منهج معين، و لكن لأنه بشري فهو لا يستطيع أن يحيط علما بكل الإمكانات و التأويلات التي تحملها بذور كلماته حين تلتحم في عقول الآخرين، فإنه قد ينشأ حين يتلقفها الآخرون أفكار هي أمور تلزم من مذهبه لم يقصدها، بل كثيرا ما قد تصل إلى نقيض ما عناه ابتداء و دعا إليه… مثل المعتزلة الذين أرادوا بحسن نية تنزيه الله بشكل مطلق حتى يبتعدوا عن التجسيم الذي كان منتشرا، فسلبوا منه صفاته، حتى صار وجوده سلبيا…ه
– شعرت أن مشكلة المعتزلة في كثير من جوانبهم لها شطرين، كونها مشكلة لغوية و كونهم ينزلون مقاييس الدنيا المتصورة على أمور غيبية لا متصورة، مما يؤدي بهم إلى استنتاجات غريبة و دخول في متاهات هم أنفسهم لم يعنوها… في بداية الكتاب كعادة المؤلف في أحكامه ذكر أن المعتزلة يعانون من تحجر عقلي _رغم تلطفه معهم و معذرته لهم _ ، و لكن حين قراءة أفكارهم بالتفصيل المسهب الذي عرضه، جعلني أشعر بأن كلامه فيه شيء من الصحة، بمعنى أنهم محدودون في فهمهم للكلمات، فمثلا هم نفوا الكلام عن الله لأن الكلام كما قالوا لا يكون إلا بجارحة أي من جوف و لسان و شفتين، و الجوارح عن الله منفية. لكن السؤال الذي وجه لهم أن من قال أن الكلام لا يكون إلا بهذه الطريقة؟ كما نرى فهذا فهمهم القاصر الدنيوي المحدود لكلمة الكلام… لكن الله يتكلم كيف يشاء. ه
– انتبهت أيضا إلى أنه قد يكون عالم أو تيار مجدد في عهده ثم تهترئ مقولاته بعد عدة أجيال و تصير أمرا جامدا و قالبا متحجرا و مثقلا بكل تلك التأويلات التي انبنت عليه و صارت لازمة له، مما يستدعي مجددا آخر يكسر القالب و يؤسس لفكر جديد، فيهترئ بعد أجيال و هكذا دواليك… و ليس من أحد منزه عن هذا… فإن كان التمس الأعذار لكل من الجهم و النّظام بأن ما لزم عن كلامهم و أدى للكفريات لم يعنوه، فلماذا لم يلتمس لآخرين مثل هذا! مثلا كعب الأحبار هل كان ليرجم بالغيب أن ذكره لما يعرفه من علم الكتاب من شأنه أن يتحول فيما بعد إلى عبء ثقيل من الإسرائيليات التي بنى عليها الوضاعون و الدجالون و نفثوا تجسيدهم، مما احتاج لجهد جبار في التنقيح فيما بعد؟
– مشكلة فكرية أخرى شعرت بها، أن كثرة دراسة النظريات و الفلسفات تفسد براءة الكلمات في نظر الدارس، فمثلا لمن يغوص في دارسة العقائد الثنوية (التي تقول بأن الكون مقسم لنور و ظلمة) و الغنوصية (هي التوصل بنوع من الكشف إلى المعارف العليا، بمعنى أنها تـُلقى في النفس من دون دليل أو برهان عقلي) تصبح كلمة النور أو الظلام في نظره ملوثة و أشبه بالتهمة، و أذكر هنا مرة أن أستاذ التاريخ الإسلامي، ذكر بيتا للإمام الشافعي: ه
و أخبرني بأن العلم نور … و نور الله لا يهدى لعاصي
ثم عقب بأنه لا يمكن أن يكون للإمام الشافعي، لأن فكرة النور هذه من الأفكار الثنوية الغنوصية! و حينها استغربت من هذا التأويل العجيب له! ه
و لذلك رأيت ربط المؤلف و اتهاماته الغنوصية فيها تعسف و هوس المعرفي المثقل بالنظريات… أضف إلى هذا أن ضريبة كونك متأخرا في الترتيب البشري، و بسبب كون أفكار البشر تتشابه عبر الزمن لتشابه بنيانهم الداخلي و مشاكلهم، فهذا ما يجعلك عرضة للتصنيف وفق فلسفة أو تيار ما من قبل الدارسين، حتى لو أنك لم تسمع به في حياتك، و سيقال أنك متأثر به… و سأضرب مثالا على أمر ذكره و حصل معي: ه
كتاب مثل (لغز قابس) يقول المؤلف أنه قد أمد المسلمين بالمذهب الرواقي، مؤكدا المبدأ الأخلاقي الرواقي من كون المعرفة ليست غاية في ذاتها، بل غاية الإنسان الفضيلة، بمعنى أن دراسة العلوم لا توصل إلى الأدب الصحيح و لا الفضيلة حتى لو أنها ضرورة بحد ذاتها… و أن هذا أثر على المذهب الأخلاقي الإسلامي…ه
بيد أني أنا سلمى حين قرأت لغز قابس ذات مرة، وجدت أن لديه بعض الأفكار مشابهة لتلك التي في رأسي، و ليس أنه زرع الأفكار في رأسي، بل هو من شعرته أخذ بعض أفكاري، و خاصة هذه الفكرة عن عدم كفاية العلوم للوصول للفضيلة… و بالله عليكم كم شخصا منا استنتج هذا من جراء محيطه من العلماء سيئي الأخلاق! و لكن بما أن اليونان قد وجودوا قبلنا، فيبدو أن الفكرة قد طوبت باسمهم و صارت ملكا حصريا لهم، بحيث حين يأتي دارس يوما و يدرس أفكارنا، سيقول أنا كنا متأثرين بالرواقية الأخلاقية هذه التي ما بنعرف شو بدها… ه
إن هذا دائما ما يجعلني أشعر بالجكر الشديد جدا، فقد أفسد المتقدمون علينا الأفكار! ه
لكن لحظة، ألم يقل عنترة عبس شيء كهذا: ه
هل غادر الشعراء من متردم … أم هل عرفت الدار بعد توهم
المتردم هو ما يتردم أي يرقع و يصلح، بمعنى هل ترك الشعراء معنى لم يسبقوا إليه و يتحدثوا عنه؟
الآن سيقول عني ذاك الدارس المهووس الذي اتهمني بالرواقية قبل قليل بأني متأثرة بعنترة … أرأيتم، هذا ما يجعلني أتجاكر أكثر و أكثر
– الكتاب استطاع أن يضعني في عمق الجو الثقافي لتلك الفترة و تلاطمه الشديد بتياراته و أفكاره الوافدة من كل حدب و صوب، و أعطاني تصورا شاملا عن سبب نشوء علم الكلام و ظهور المعتزلة للرد على تلك التيارات بالعقل البحت، و ظهور مسألة خلق القرآن ثم ظهور الأشاعرة لتعديل الكفة المغالية لدى المعتزلة و العودة للقرآن و السنة، و جعلني أتصور الوسط الذي نشأ فيه الإمام الفخر الرازي صديقي، حتى كتب تفسيره الكبير ذاك المليء بالرد على أصحاب الدعوات و لماذا أحيانا يخوض بأمور جدلية لا طائل منها، لكن اتضح لي أن الجو كان مشحونا بكل هذا… و حقيقة أن الأمة الإسلامية حينها اجتاحتها انحرافات و دعوات أخطر و أكثر دهاء مما في زماننا في هجومها على العقيدة و أسس الدين، و مع ذلك بقي الدين صامدا حتى يومنا هذا… فلا ينبغي أن نخاف عليه إن شاء الله… و أيضا حقيقة شعرت بالحراك الثقافي و العلمي في تلك الفترة و كأنه كان كخلية نحل لا تفتر… ه
– من الجيد القراءة في الفلسفة اليونانية، إذ انتبهت أن الهالة حولها أكبر من مضمونها بكثير، متل حلوى (راس العبد)، شكلها أفخم من ماهيتها المنفوخة على فاشوش… حتى لتتساءل في أحيان ما الذي بوأهم تلك المكانة؟
– أسلمة النظريات و الأفكار الوافدة _هذا التصرف الرافع للضغط_ تبدو قديمة، و يتضح هذا من محاولات بعض علماء تلك الفترة لجعل كثير من الفلسفات اليونانية تخرج بطابع إسلامي.ه
– من اللطيف ذكر أنه أول كتاب يمر معي و مؤلفه يكتب مراجعات صغيرة للكتب التي ذكرها في فهرس المراجع.ه
– الكتاب ذكرني بكتاب ادوارد سعيد الإستشراق، فذاك كسر المركزية الغربية، و هذا شعرت به قد كسر مركزية الفلسفة اليونانية. ه
– أحد خيبات الكتاب الكبيرة التي شعرت بها، أنه رغم كون مؤلفه أشعري متعصب لأشعريته بشهادة نفسه، و يعتبرهم آخر ما وصل إليه العقل الإسلامي الناطق بالقرآن و السنة و المعبر عنه في أصالة و قوة. لم يكن للأشاعرة و علمائهم و لا حتى لعلماء أصول الفقه الذين ذكر فضلهم في المقدمة و لا علماء اللغة أي حضور إلا نادرا و لا حتى ذكر شيئا عن الماتريدية… فقد أنساه اليونان و المعتزلة أي أحد آخر! ه
كفاني ثرثرة عن الكتاب، فهو غني جدا و مليء و ربما لن أنتهي من الكلام إن لم أجبر نفسي على التوقف حالا… ه
و باختصار هو كتاب ممتاز و لكن مع ثقوب كبيرة… و أفضل القراءة عن نفس الموضوع لمؤلف آخر بدل أن أعيد قراءته، حتى أرى مقاربات مؤلفين آخرين حول نفس المواضيع والشخصيات و الأفكار… بعيدا عن هذا الهوس…ه
إنما كان هذا الجزء الأول، و بقي لي جزآن أحدهما عن الشيعة و الآخر عن التصوف…ه
في النهاية أريد أن أختم هذا الموضوع الطويل بأغنية تراثية خليجية… ه
حين سمعتها شعرت بأنها تجسيد للكتاب… فبعد قراءتي له استطعت تقدير لماذا اختار الشاعر حمد الله بهذه الصيغة، فكل عبارة من هذه لم تصاغ إلا بعد قدّ في الصخر و جهد جهيد في مواجهة تشوهات التيارات المتلاطمة… فتشعر بها ككأس ماء زلال قد خرج إليك بعد حروب فكرية طاحنة و شرسة على مدى عقود… ه
من كلمات الشاعر عبد الله بن علوي الحداد الذي كان عالما أشعريا يمنيا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق