كتاب عظيم، قيم، بل وضروري كذلك. لا غنى عن قراءته لأي دارس فلسفة، أو حتى، للقارئ العادي ذو الفضول والباحث عن المعرفة، والشغف.
الكتاب هو إحدى كتب المقررات الدراسية في كلية الاداب، عنوان الكتاب واضح، وصريح، ولكنه مع ذلك يحتاج إلى بسط وتفصيل.
مناهج البحث الفلسفي! وهل للفلسفة مناهج بحث؟ على غرار العلوم الطبيعية الحديثة، كالفيزياء والكيمياء والطب والهندسة؟ ها هنا يجيبنا السيد محمود زيدان رحمه الله ورضي عنه في الدارين.
[button color="blue" size="small" link="http://viwright.com/4NCL" icon="fa fa-file-pdf-o fa-2x" target="true" nofollow="false"]تحميل[/button] [button color="blue" size="small" link="http://viwright.com/4NGm" icon="fa fa-file-pdf-o fa-2x" target="true" nofollow="false"]تحميل[/button] [button color="red" size="small" link="http://viwright.com/4NLP" icon="fa fa-book fa-2x" target="true" nofollow="false"]قراءة أونلاين[/button]
نعم، للفلسفة، على مر التاريخ، مناهج بحث عديدة، نعم بالظبط، هي مناهج عديدة ومختلفة تمامًا بعضها عن بعض.
ولكنها، مع ذلك، وعلى عكس ما يدعي بعض الجهلة المسيئين لها، لم تكن، ولن تكون، أبدًا، متضادة، ومتصارعة، بل هي، كما أوضح حضرته في فصول الكتاب العديدة الصغيرة الكبيرة، كانت، ولا تزال، متكاملة.
لم كان هذا الاختلاف؟ ولم هذا التكامل أيضًا؟
سنرى
يرجع هذا لطبيعة المنهج الفلسفي نفسه، ويرجع لطبيعة المذهب الفلسفي كذلك، ولطبيعة المعرفة الفلسفية بذاتها.
نسأل الآن، هل هنالك منهج للفلسفة؟ نعم بالطبع هنالك العديد من المناهج الفلسفية التاريخية، كانت ولا زالت هي أساس البحث في الفلسفة
منها على سبيل المثال فقط، وليس الحصر:
1-المنهج الفرضي
2-المنهج التمثيلي
3-منهج الشك واليقين
4-منهج الظواهر
5-منهج التحليل
وكان لكل مذهب من المذاهب السابقة تلك، رواد، وأساتذة، يحملون لواء الدفاع عنه، ويحملون همه؛ هم تطويره والبناء عليه
كما يحملون هم بسطه وتفسيره، وصياغته بشكل علمي، وإن كان فلسفيًا بالطبع على كل حال.
نأتي لفصول الكتاب، والتي اخترت منها فصلين، أو ثلاثة، على الأكثر، فقط، للحديث عنهم؛ نظرًا لكثرة الأفكار التي يحملها متن الكتاب، على الرغم من صغره الشديد.
سأتحدث عن فصلين، أولهما: طبيعة النظرية الفلسفية، وهم أول الفصول في الكتاب، وأهمها في رأيي
نريد أن نعلم، ما هو الفرق بين العلم الفلسفي، والعلوم الأخرى؟
يجيب زيدان: الفلسفة ذات طبيعة قبلية، أي: أنها لا تعتمد، أبدًا، على المناهج الحديثة التجريبية وغيرها
فلكي نصيغ قضية فلسفية ما، لا نحتاج، مثلًا، إلى إخضاعها للتجربة العلمية والفروض والملاحظة وهكذا، بل كل هذا يختص بما يقابل الفلسفة من علوم خارجية تهتم بالواقع بشكل أساسي، كالطب مثلًا
القضية الفلسفية ذات طبيعة أخرى تميزها عن غيرها
فهي قضية لا منطقية، ليس بمعنى أنها غير معقولة أو مقبولة منطقيًا، ولكن بمعنى أنها لا تهتم، كثيرًا، بقوانين وأحكام المنطق. فمثلًا لا يمكننا أن ننقد نظرية فلسفية ما، لكونها تخالف قانون الهوية في المنطق
ولا لكونها تخالف نظرية سابقة عليها. لم؟ يرجع هذا لطبيعة القضية الفلسفية: فالفلسفة، كما علمونا صغارًا، هي وجهة نظر فلسفية، شخصية، أو إذا أردت، ذاتية إلى حد ما، ولكنها مع ذلك، لا تخرج عن حدود الموضوعية.
القضية الفلسفية، كما سبق الإشارة، ليست تجريبية، بمعنى أنها قبلية، لا تعتمد على الحس، أو التجربة، بقدر ما تقوم على تصور عقلي ما، وهذا التصور، على عكس التصور المنطقي، لا يوصف بالصحة أو الخطأ، بل نحكم عليه بمقياس آخر. ولعل هنا كان الخلاف، فدومًا نُسأل، هل يمكن الحكم على القضية الفلسفية؟ يوجد ها هنا خطأ في صياغة السؤال، فالقضية الفلسفية لا توصف – كما المنطق – بأنها صحيحة، لأنها لا تقوم على قوانين المنطق الثلاثة المعروفة
بل تقوم، بالكامل، على مسألة القبول، والاقتناع، والفهم
ويعتمد هذا على ما أسماه البعض، بالمزاج الفلسفي، الذي يتأثر بما يحيط منا من أفكار: سياسية، فكرية، اقتصادية، وحتى دينية وعلمية.
القضية الفلسفية ليست تجريبية، ولكنها، على الرغم من ذلك، لا بد أن تقوم إحدى قضاياها الأولية على قضية تجريبية، ولو كانت وحيدة فقط
لا توصف القضية بأنها منطقية، ولكنها مع ذلك لا تضاد المنطق.
القضية الفلسفية ليست صادقة دائمًا تمامًا، ولكنها بذلك ليست كاذبة على الدوام
وإنكار قضية ما، والاقتناع بأخرى، لا يوقعنا في تناقض، فكما قلنا، هي مسألة اقتناع أكثر منها مسألة صدق وكذب
تعددت المذاهب الفلسفية، وكما قلنا، لم يكن هذا التعدد، أبدًا، نقيصة في حق الفلسفة. فهي كما قلنا وجهة نظر، تتعدد بتعدد وجهاتها. ولكن مع ذلك الأمور ليست منفرطة إلى هذا الحد الذي يصوره العلمويون. فهنالك مع ذلك قواعد وأطر محددة يسير فيها كل فيلسوف، ملتزمًا بها ومطورًا لها. تتسم النظرية الفلسفية بالتطور الدائم، ليس بالابتداع. فكل فيلسوف، يأتي فينظر في مسألة قد عرضها من سبقه بشكل ما، فيأتي هو ويقدم رؤية جديدة لها، وينتقد من سبقه في وجهة أو وجهتين، ولكنه لا يهدم ما قام به من سبقه كذلك
ولكن يأتي السؤال، ما هو معيار صدق المذاهب الفلسفية؟
فيجيب زيدان بأن صياغة السؤال نفسها خاطئةن، فهي ليست منطقية أو غير منطقية، أو صادقة وكاذبة، بل مقبولة وغير مقبولة!
نأتي لتهمة تنسب للنظرة الفلسفية دومًا، وهي كونها ذاتية. سبق وقلنا أن الفلسفة هي وجهة نظر، لذا يكون الحكم عليها صعبًا وشبه مستحيل. فبذلك ترتمي في أحضان الذاتية وتبعد عن الموضوعية.
ولكن يأتي الجواب هنا أن الخلاف بين الفلاسفة، كان، دومًا، خلاف مذهبي، أكثر منه خلافًا منهجيًا.
فكل منهم ينتمي لفئة ما، يحاول، جاهدًا الدفاع عنها، والانتقاص مما يضادها
ولكن مع ذلك يجمع الفلاسفة على مجموعة محددة من الآراء والأفكار التي لا خلاف عليها فيما بينهم، حتى وإن كانت رؤيتهم لأولويات خطواتها تختلف قليلًا
ما هي تلك الموضوعات إذن؟ أولًا:
نظرية المعرفة: الابستمولوجيا
والميتافيزيقا: أي البحث في العلل الأولى للوجود
وفلسفة العلوم: وهي الجانب الذي يوصف بكونه تجريبيًا إلى حد كبير، دونًا عن الموضوعين السابقين.
وتقوم صحة المذهب، كما قلنا، على ضرورة الاقتناع العقلي، كما يقوم على ثلاثة قواعد هامة: البساطة، والوضوح،والشمول.
نأتي للفصل الآخر، بل قل الأخير، من الكتاب
وهو المنهج والمذهب في الفلسفة.
هل للفلسفة منهج محدد؟
نعم، أو نعم تقريبًا
كما قلنا، تتعدد المناهج بتعدد وجهات النظر
ولكن يظل هناك إجماعًا، أو شبه إجماع، بين الفلاسفة، على بعض القواعد.
فمثلًا يجمع الفلاسفة على إمكانية وجود منهج بعينه تدرس به مسائل الفلسفة
وهذا المنهج هو: التحليل والتركيب
لكن ما هو التحليل؟
بكل بساطة هو مراجعة ما لدينا من أقوال الفلاسفة السابقين وتناولها بالنقد وتصنيف المشكلات الفلسفية وتمييزها.
أما التركيب فهو: ترتيب ما وصلنا إليه من نتائج أو ثمرات بحثنا والخروج به إلى نظرة جديدة
نأتي لآخر ما أثار اهتمامي في الكتاب، وهو، هل الفلسفة علم؟
يعتمد هذا على فهمك أنت لشكل وبنيان هذا “العلم” وقواعده
نجيب: يقوم العلم، أي علم، على عدة قواعد أساسية، لا يستقيم بدونها أي علم، ولا يقوم بدونها.
كمثل:
1- أن تكون له موضوعات محددة تميزه عن غيره من العلوم
2- أن يكون له منهج “بحث” محدد
3- الوصول لنتائج يأخذها الباحثون عمن سبقهم، فيكتشفون ما بها من عوار ونقص، ويحاولون إصلاحه وإتمامه وتطويره
فإن توفرت هذه الشروط – وهي متوفرة – في الفلسفة، كانت الفلسفة علمًا
ولكن لا بد من إدراك شيء مهم
الفلسفة تختلف – أساسيًا – عن العلوم الأخرى، في مسألتين هامتين، في شكل العلم التقليدي.
بينما تكتشف العلوم الأخرى نظريات جديدة تعطينا تفسيرًا أدق للعالم، تكتفي الفلسفة بما سبق أن أتت به من قبل، ولكن مع تغيير في نظرتنا إلى العالم
يمكن الحكم على النظرية العلمية بالصدق أو بالكذب، على أساس ما يثبته العلم فيما بعد. ولكن الحكم على القضية الفلسفية لا يكون بالصدق أو بالكذب، بل بمدى الاقتناع
ويعتمد هذا، كما قلنا سابقًا، أو كما قال وليم جيمس، على المزاج الفلسفي الشخصي، أي: ما يحيط بنا من أوضاع وأفكار فكرية سياسية اقتصادية دينية، وهكذا دواليك.
انتهى.
كتاب ممتع، شامل، فريد من نوعه، وأعتقد أنه لا يوجد ما قد يماثله في كماله وشموليته، وبساطته كذلك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق