ميشال تروبير: فلسفة القانون PDF - رفوف

اخر المواضيع

الخميس، 15 سبتمبر 2016

ميشال تروبير: فلسفة القانون PDF




يبدأ ميشال تروبير كاتب “فلسفة القانون” بعرض لهيمنة القانون ولضرورة إيجاد تحديد له. يقول إننا نعيش تحت هذه الهيمنة منذ الولادة، اذ ينبغي تسجيل الطفل في دوائر النفوس، والإسم الذي يحمله يجب أن يتوافق مع بعض القواعد. قواعد أخرى تأمر بضرورة إدخاله المدرسة. وعندما نشتري أي شيء أو نستقل سيارة النقل، يكون هذا إعمالاً لعقد ما. نتزوج، نعمل، ونعالج في المشافي طبقاً لقانون. مع هذا، ورغم وعينا لهذا الحضور المهيمن للقانون، فإننا غالباً عاجزون عن تحديده.

تحميل وقراءة اونلاين🕮


ولكن، يسأل الكاتب، لماذا يا ترى ينبغي تحديد القانون؟ فالبحث عن تحديد للقانون يرتبط بعملية تفكُّر في موضوع طبيعته أو جوهره. وهذا البحث ضروري جداً لعمل القانونيين. نلاحظ غالباً أن العاملين في مجال الفيزياء ليسوا بحاجة لتحديد الفيزياء، والعاملين في مجال الكيمياء لتحديد الكيمياء، فيما العاملون في القانون les juristes لا يسعهم الإفلات من تحديده. وهذا الأمر يعود قبل أي شيء آخر إلى إستحالة تطبيق قاعدة قبل التأكد من أنها فعلاً قاعدة قانونية.

ما الفرق بين الأمر الذي يوجهه لنا السارق وذلك الذي يوجهه لنا جابي الضرائب؟ الإثنان يأمراننا بإعطائهما الدراهم وفي الحالتين للرفض عواقب وخيمة. والحال أننا نقول إننا مكرهون على الخضوع لأوامر السارق، بينما نتحدث عن واجب الخضوع لطلب الجابي. بمعنى آخر، نحدد واجب الخضوع للجابي بما هو واجب قانوني، وفقاً لتحديد القانون. وهذا التحديد ليس فيه أي شيء فلسفي. فالقانون ذاته هو الذي يحدد معايير ما هو قانوني وما هو خرق للقانون، كما في حالة السارق. يكفي إذاً، في ما يخص غالبية حاجاتنا العملية، أن نعرف ما هي المعايير المتضمَّنة في قواعد.

لكن الكاتب يستدرك ليقول إن معرفة هذه الأمور لا تُعلِمُنا شيئاً عن طبيعة القانون. لا نعرف لماذا تمَّ اعتماد هذه المعايير، ولا إذا كانت هذه القواعد إلزامية فعلاً، وفي حال كونها إلزامية لا نعرف لماذا: هل لأنها صحيحة، لأنها تنبثق عن سلطة سياسية، أم لأنها مرتبطة بعقوبات في حال المخالفة؟

ما هي فلسفة القانون؟

يحاول ميشال تروبير تحديد فلسفة القانون بادئاً بالقول إن العبارة انتشرت منذ بداية القرن التاسع عشر، وبخاصة بعد صدور “مبادئ فلسفة القانون” للفيلسوف الكبير هيغل (1821)، إلا أن البحث وإطلاق النقاش والأفكار حول القانون هو أمر قديم قدم القانون نفسه. واليوم المؤلفات التي تحمل هذا العنوان شديدة التنوع، ليس فقط في ما يخص النقاط النظرية المطروحة بل أيضاً في محتواها. ليس ثمة اتفاق في موضوع تحديد القانون، ولا في تحديد فلسفة القانون ولا في معرفة إذا كانت فلسفة القانون جزءاً من الفلسفة أو جزءاً من العلم القانوني؛ كما ليس ثمة اتفاق على لائحة من المسائل التي تدخل في اهتماماتها، ولا على وظائفها ولا على العبارة نفسها، حيث يفضل بعضهم عبارة “النظرية العامة للقانون” أو في الإنكليزية general jurisprudence وهذه الفوارق بالعبارات تعكس تعارضات أخرى من النوع التاريخي أو الأبستيمولوجي، بين فلسفة قانون القانونيين juristes وفلسفة قانون الفلاسفة أو بين أتباع مدرسة القانون الطبيعي وأتباع مدرسة الوضعانية القانونية. ثم يسهب الكاتب في عرض هذه النقاط التي يستحيل التوقف أمامها في عرضنا الموجز هذا.

القانون الطبيعي والقانون الوضعي:

هذا التعارض، في نظر الكاتب، هو كتعارضات كثيرة: إما نعتبر أنه يحمل صفة جوهرية وتالياً يجب أن يُصنَّف كل كاتب في إحدى المجموعات، وإما نحاول على العكس تجاوز هذا التعارض والبحث عن طريق ثالث. في الواقع بما أن تصنيف كاتب في فئة معينة يرتبط بتحديد المعايير واختيارها فإن هذا التصنيف هو دوماً قابل للنقد وعملياً منتقد. حتى كلسن الذي يُعتبر بصورة عامة أحد رموز الوضعانية الأكثر أهمية، فقد تم تصنيفه على يد وضعانيين آخرين كـ “شبه وضعاني”، أي قانوني طبيعي.

مدرسة القانون الطبيعي المعاصر هي التي تعلِّمُ، أساساً تحت تأثير الفلسفة الإسمية nominaliste أن الحقيقة الوحيدة تكمن في الفرد وأن الإنسان وحده يمتلك حقوقاً بفعل طبيعته الخاصة. وهذه الحقوق المسماة “ذاتية” يمكن اكتشافها بواسطة العقل، بمجرد تحليل طبيعة الإنسان. السلطة السياسية لا تخلق هذه الحقوق. واجب السلطة السياسية تكريس هذه الحقوق وبإمكان البشر فرض احترام هذه الحقوق على السلطة السياسية. هكذا فإن القانون الطبيعي المعاصر هو في أساس نظرية حقوق الإنسان.

يرى الكاتب أن العلاقة بين القانون الطبيعي والقانون الوضعي هي بالضرورة متنوعة. بصرف النظر عن الحالة التي يشكل فيها القانون الطبيعي جوهر القانون الوضعي الذي ما كان يمكن أن يُطرح إلا انطلاقاً من القانون الطبيعي مع ضرورة الامتثال له، نقول بصرف النظر عن هذه الحالة غالبية نظريات القانون الطبيعي المعاصر تجعل من القانون الطبيعي وسيلة قياس للقانون الوضعي، لكنها لا تستنتج النتائج ذاتها من التناقض بين القانونين.

ميزة الكتاب أنه يعرض للنظريات والمواقف كأننا بالكاتب المتواضع لا يريد اتخاذ موقف في مجال يصعب (بل يستحيل؟) اتخاذ موقف واضح فيه:

بعض الكتّاب يعتبرون أن القانون الوضعي المناقض للقانون الطبيعي ليس قانونياً n’est pas juridique ، وأنه بإمكان كل ذات sujet بفعل عقلها ملاحظة هذا التناقض وأنه يجب أن ترفض الخضوع. في بعض الحالات الصراع يدور بين القانون الطبيعي والقانون الوضعي، منظوراً إليهما بصورة شاملة، وأنه يجب عدم الخضوع فقط عندما يبدو القانون الوضعي بمجمله خارقاً للقانون الطبيعي وليس عندما يكون قاعدة معزولة مناقضة للقانون الطبيعي. في حالات أخرى يُعتبر مشروعاً عدم الخضوع لقاعدة معزولة حتى إذا كان القانون الوضعي بمجمله متطابقاً مع القانون الطبيعي. كتّاب آخرون يعتقدون أن القاعدة المناقضة للقانون الطبيعي تبقى قانونية لأنها “موضوعة posée ” ولكن بإمكان القاضي استبعادها. كتّاب آخرون أيضاً يعتمدون موقفاً أكثر تلطيفاً: لا يمكن للقانون الطبيعي أن يأمر لا بالخضوع ولا برفض الخضوع للقانون الوضعي. القانون الوضعي هو القانون الذي هو، بينما القانون الطبيعي هو القانون الذي ينبغي أن يكون ووظيفة الصراع هي فقط ضمان اتخاذ موقف (حُكم) معنوي وسياسي إزاء القانون الوضعي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق